حدث في بيت العزاء

توجهت لبيت العزاء ...لتعزية اسرة الاستاذة الفاضلة فاطمة العاقل رحمها الله ....كانت كفيفة لكنها ابصرت مالم يبصره اهل البصر ...لم تستسلم لإعاقتها بل ناضلت وفتحت مؤسسة للكفيفات ...
كان موتها صدمة لعائلتها لأنها اصيبت بشكل مفاجىء بسرطان في الكبد وماتت خلال فترة قصيرة ...
في بيت العزاء شعرت بمدى الحزن والألم الذي تعانيه اسرتها ...كانت والدتها وشقيقاتها وعدد من القريبات في احد جوانب الغرفة التي تم تخصيصها لتقبل العزاء كانت علامات الصدمة بادية على الوجوه...
في صدر الغرفة كانت احد الأخوات - وهي ممن حضر للعزاء -  تمسك بمكبر للصوت ( يعمل بالبطارية) ...كانت تلقي موعظة قصيرة عن الموت وعن فضائل المرحومة فاطمة وختمت حديثها بالدعاء لأهل البيت وللمتوفاة...كان الجميع يستمع ويؤمن على الدعاء ...
عند انتهاء تلك الأخت التي كانت تنتمي لحزب الاصلاح ( وهو حزب اسلامي ) ...شرعت أخت أخرى بالحديث ...وهي ايضا كانت تمسك بمكبر للصوت من نفس نوع الذي تحمله المتحدثة الأولى ...بدأت الحديث بتذكير الحاضرات بأن الليلة هي ليلة وحدة المتوفاة لأن عملية الدفن تمت اليوم ...
فجثمان المتوفاة وصل اليوم من جمهورية مصر حيث كانت المتوفاة تتلقى العلاج 
ولأن عملية الدفن تمت اليوم فإن الليلة تسمى ليلة الوحدة للميت لأنه سيترك للمرة الأولى في قبره وحيدا 
ولهذا فهي تطلب من الأخوات ان يؤدين صلاة تؤنس المتوفاة في قبرها في هذه الليلة ...وبدأت توضح كيف تتم هذه الصلاة ...
لكن الأخت الأولى قاطعتها مستخدمة مكبر الصوت الذي تملكه قائلة ان هذا الكلام بدعة ....وهذه الصلاة لا تجوز 
ترد الأخرى باستنكار:  اي بدعة؟ انا طلبت منهن الصلاة وليس الرقص ...
- الصلاة لاتصل للميت وهذا كلام باطل ولايجوز ...
وهكذا بدأ نقاش عجيب بينهن ....ولأن كل واحدة منهن كانت تمسك بمكبر للصوت كان الوضع اشبه بمسرحية ....كل من في الغرفة كان يتابع النقاش باستغراب ...
ارتفعت الأصوات وكل اخت كانت تؤيد قولها بحجج وأدلة ....ولأن شر البلية مايضحك شعرت برغبة في الضحك لكنني تذكرت انني في بيت عزاء ...فكتمت ضحكتي 
كانت الأخت الثانية والتي يبدو انها ارادت الانتهاء من ذلك الجدل قد بلغ بها الغضب مبلغة فقالت بحدة وبصوت اعلى: اسمعي لقد قلتي ماتريدي ونحن نستمع لك دون مقاطعة....لو سمحتي اسكتي ودعيني اقول ما اشاء دون مقاطعة ومن تريد ان تصلي لنية الأستاذة فاطمة لتصلي ومن لاتريد هذا امر يعود لها....
واسترسلت في الكلام فارغمت منافستها على السكوت ....واختتمت كلامها بالدعاء للمتوفاة ولأهلها ...
العجيب ان لا أحد تدخل لحل الإشكال بين الأختين ...لست أدري هل لأن بيت العزاء له حرمة؟ أم لعدم اقتناع الأخوات الحاضرات بمنطق اي من الأختين؟ أم لأن من تريد الكلام لابد ان تمتلك مكبر للصوت ...؟
ظاهرة سيئة بدأت تنتشر في المجتمع وهي الانتقاد لمعتقدات الاخرين ....في اليمن سنة وشيعة من زمن طويل ....ولا توجد أية مشكلات مذهبية في اليمن...الآن تطل علينا الفتاوي والتبديع والتكفير ...والأدهى هناك من يطالب بإبادة المخالفين في المذهب لحل مشكلات البلد ...
التخلف مشكلة مستعصية ....وكلما زاد التخلف والجهل زاد الغباء وابتعدنا عن الطريق السليم والصحيح وضاقت الصدور وبدلا من ان نقوم بالتخلص من كل آثار النظام الفاسد لنبدأ مشوار البناء في بلد هو الأفقر والأكثر تعاسة في المنطقة ...فإننا قررنا ان ندخل حروب إبادة وتصفيات ضد بعضنا 

 

تعليقات

  1. اختى احلام العزيزه
    تحيه طيبه بذكر الله والدوام لله وحده فى السيده الفاضله رحمها الله واسكنها فسيح جناته واللهم الهم اهلها الصبر والسلوان واتفق معكى صديقتى فى احترام حرمه المتوفى ومراعاه شعور اهل المتوفى فى عدم المجادله فى فتاوى لاتقدم او تاخر فى تاديتها والله المستعان فى هؤلاء المتشددين الذين يطلقون فتاوى تاجج الصدور بدلا من تسكينها لك كل الاحترام والتقدير

    ردحذف
    الردود
    1. مساء الخير أخت هويداء
      مايحدث حاليا في مجتمعنا امر مؤسف للغاية
      ونتمنى ان يعلو صوت العقل عند الجميع لأن الفتنة الطائفية دمار للبلد
      لك اطيب تحية

      حذف
  2. اسعد الله صباحك
    رحم الله جميع موتى المسلمين وعظم الله اجركم في ميتكم ..
    اختي
    كأني كنت معك .ضحكت معك
    لا حول ولا قوة الا بالله
    تذكرت موقفا مشابها .في زواج احدى القريبات
    مسكت احداهن المايك عنوة وأخذت تنصح وتذكر بالاخرة ثم علا الصوت
    بتهديد ووعيد لمن يلبس من المدعوات ملابس .....
    فما كان من صاحبة الدعوة إلا ان اخذت منها المايك بهدوء
    وشكرتها على كلمتها الحارة .
    وسط ذهول وضحك الجميع .
    حقا
    احيانا تختلط الامور وتعم الفوضى ممن لا يجيد التصرف
    فلكل مقام مقال . والعزاء ليس لتلك المجادلات .

    شكرا لك

    ردحذف
    الردود
    1. اسعد الله مساؤك أخت زهور
      شر البلية ما يضحك كما تقول العرب
      واوافقك الرأي فالأمور اختلط حابلها بنابلها ونسأل الله السلامة

      حذف
  3. المهم يا احلام ان نعمل يما نسمع

    ردحذف
    الردود
    1. مساء الخير أخ فاروق
      جميل ان نعمل بما نفهم ونقتنع به

      حذف
  4. فيما مضى كان للعزاء شأن آخر..
    وكأن من رحل جالس بيننا نستحي ان نبتسم لفقده..
    اما عن تناحرنا اليوم على كل شيء ومن اجل لاشيء فهذه مصيبة اخرى!
    بس فعلا موضوع مكبرات الصوت شيء مضحك ^_^

    ردحذف
    الردود
    1. اسعد الله مساءك بالخير أم مرام
      شر البلية مايضحك فامورنا وصلت لحد لايعقل وهذا مايثير السخرية ويدعو للضحك
      حتى لم يعد للموت والحزن حرمة
      تقبلي اطيب تحياتي

      حذف
  5. تحية اخت احلام.....عندما يحل الجهل والعادات والقيم المتخلفة والتطرف محل العلم والتسامح والوسطية والفطرة السليمة في المجتمع...فأن العقل
    والمنطق يتنحى جانبآ وكما ذكرتي...وتصبح ثقافة المجتمع ضحلة الا من بعض الاشخاص المتنورين..والذين يكونوا في هذه الحالة مثل طوق النجاة.!!!....تحية للادراج القيم.ولقلمك.........اخيكم

    ردحذف
    الردود
    1. ولك أخ واثق العطية اطيب تحية
      توصيفك لمنزلة العقل في مجتمعاتنا واقعية جدا
      نأمل ان تتغير مجتمعاتنا وتصلح عيوبها

      حذف
  6. تحياتي ويسعدصباحك
    مرور للسلام وتفقد احوالك اختي احلام
    دمت بخير

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا بك اخت زهور الريف
      ويسعدني مرورك وسؤالك
      لك كل الشكر والتقدير

      حذف
  7. الاخت الغالية المجاهدة بالقلم أحلام
    انت لخصتى ما اردت أن اقوله من الصورة المرفقة
    لقد أصبحنا كعرب نعيش فى كوكب البطيخ
    لقد اصبح الصوت العالى سمة من سمات الكلام الحديث وقد سئمنا منه
    والله هذا يحدث الان فقد أصبح كل من هؤلاء المتكلمون يحملون الميكرفونات ليعلو صوتهم على صوت الاخرين
    تحياتى لسردك الاكثر من رائع

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا اخ عادل
      وكوكب البطيخ هو وصف مناسب للحالة التي نعيشها
      ومع هذا كلنا أمل ان تتغير الأحوال وأن يعيش العربي في أجواء تليق به
      تحياتي وتقديري

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الصمت عار

فيلم Alpha

الكرد في اليمن، دراسة في تاريخهم السياسي والحضاري 1173 - 1454م لدلير فرحان إسمايل